عنوان الموضوع الأول

تضع هنا نبذة مختصرة عن الموضوع المراد وضعه - هذا القالب من تعريب أخوكم باسم , مدونة قوالب بلوجر معربة .

عنوان الموضوع الثاني

تضع هنا نبذة مختصرة عن الموضوع المراد وضعه - هذا القالب من تعريب أخوكم باسم , مدونة قوالب بلوجر معربة .

عنوان الموضوع الثالث

تضع هنا نبذة مختصرة عن الموضوع المراد وضعه - هذا القالب من تعريب أخوكم باسم , مدونة قوالب بلوجر معربة .

عنوان الموضوع الرابع

تضع هنا نبذة مختصرة عن الموضوع المراد وضعه - هذا القالب من تعريب أخوكم باسم , مدونة قوالب بلوجر معربة .

عنوان الموضوع الخامس

تضع هنا نبذة مختصرة عن الموضوع المراد وضعه - هذا القالب من تعريب أخوكم باسم , مدونة قوالب بلوجر معربة .

تجربة 2

الكاتب: علي الكردي
مجلة الهدف
نستعيد في ذكرى رحيل المبدع غسان كنفاني، ذكرى مبدع عربي آخر، تقاطع مع غسان في هواجسه السياسية والثقافية والإنسانية.. وفي حلمه العريض برؤية الإنسان العربي حراً، كريماً، ومتحرراً من كابوس الاحتلال، والاستبداد والعسف في كل أشكاله. نستعيد اليوم صورة الكاتب المسرحي سعد الله ونّوس.. بعد أربعة عشر عاماً على رحيله.. وكأننا نسمع صدى صوته الهادئ.. العميق يتردّد في صالة غارقة في الظلال، يتلو كلمته الشهيرة في يوم المسرح العالمي: «نحن محكومون بالأمل، وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ».
ولعل في استعادتنا صوت سعد الله، وصورة غسان في ربيع الثورات العربية اليوم، له دلالة، وطعم، ورائحة تختلف عن كل السنوات الماضية التي أثقلت أرواحنا بوطأة الهزائم، والانكسارات، واستبداد الأنظمة، وعنصرية الاحتلال الإسرائيلي، وتمادي طغيانه وعتوّه، والسبب أننا لأول مرة منذ نصف قرنٍ تقريباً، نرى هذه الصحوة العظيمة لجماهير الشارع العربي من أقصاه إلى أقصاه وهي «تقرع جدران الخزّان»، وتثبت فعلاً، لا قولاً: «أننا محكومون بالأمل.. وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ». نعم.. الشعوب العربية تصنع اليوم بحناجرها الهادرة، وصدورها العارية، تاريخاً جديداً، وصفحات مشرقة تفتح الأفق أمام غدٍ آخر لشعوبنا العربية، التي طالما تحمّلت بصبرٍ، وذاقت كل ألوان القهر والعذابات، بانتظار ساعة الحسم والتغيير الجوهري في حاضرها ومستقبلها، وبالتالي ما كان يؤمن به، ويُراهن عليه غسان كنفاني، أو سعد الله ونوس، أو غيرهما من المثقفين العرب التنويريين، حول قدرة الشعوب العربية، وإرادتها في صنع التاريخ، لم يكن مجرّد وهمٍ، أو أحلام رومانسية لنخبة مثقفة، وإنما رؤية استشرافية عميقة لسيرورة التاريخ، وتحوّلاته، التي سوف تفضي تراكماتها حتماً إلى قدرة الشعوب في لحظة ما على أخذ زمام المبادرة، لتقرّر مصيرها بنفسها، وهذا ما نشهد اليوم إرهاصاته المبشّرة في الشارع العربي التي تطالب بالحرية والكرامة والتعددية واحترام الإنسان، وتحرّر الأوطان.
في يومٍ ما من عام 1941، نشرت أشعة الشمس الذهبية خيوطها فوق البيوت المتواضعة في قرية حصين البحر الهادئة، القابعة على هضبة خفيضة تطلُّ على الشاطئ السوري من بعيد. في هذا اليوم، وعلى وجه التحديد، في التاسع عشر من شهر شباط 1941 وُلد سعد الله ونوس في أحد هذه البيوت، التي تعبق برائحة الزيزفون، وتظلّلها أشجار الزيتون والليمون، في فترة كانت فيها سورية تعيش ظروف الاضطراب السياسي، فالحرب العالمية الثانية ما تزال مستعرة، وسورية التي ضحّت كثيراً من أجل استقلالها، ما تزال محتلة من قبل فرنسا، والمفارقة أن فرنسا نفسها غدت آنذاك محتلّة من قبل ألمانيا، التي أعلنت بدورها أن سورية ولبنان أصبحتا منطقة حربية خاضعة لحكومة فيشي، الخاضعة بدورها لألمانيا النازية.
لم تكن صحة سعد الله في الطفولة، كما تقول شقيقته الكبرى، دائماً على ما يرام، لذا نشأ محبّاً للعزلة والقراءة، وفي شهادة نادرة لمعلّمه في المدرسة الابتدائية الأستاذ متري عرنوق، الذي كان جاراً لعائلة ونوس يقول: «لاحظت أن سعد الله كان أكثر وعياً من رفاقه، حتى أولئك الذين يكبرونه سناً».
تبرز علامات الجدّية في سلوكه، وطبيعة اهتماماته المبكرة بالقراءة، على ما تقول شقيقته، من خلال تكوينه لمكتبته الخاصة، وهو في الحادية عشرة من عمره، وكان كتاب جبران خليل جبران «دمعة وابتسامة» أول كتاب يقتنيه سعد الله.
ثمة دفتر مذكرات لسعد الله الفتى، سجّل فيه يومياته، يدلّل على نضجه المبكّر، وطبيعة اهتماماته بالمجلات الجادّة، كمجلة «الآداب» التي كتب في يومياته تقييماً حولها، وهو في الثانية عشرة من عمره، الأمر الذي يبرز ميله المبكّر إلى تكريس حياته للمطالعة والكتابة وطموحه في هذا المجال.
حصل سعد الله في العام 1959 (أيام الوحدة بين مصر وسورية) على شهادة الدراسة الثانوية بتفوّق، الأمر الذي أتاح له الحصول على منحة دراسية إلى كلية الآداب، جامعة القاهرة لدراسة الصحافة، وبينما كان يتابع دراسته في القاهرة، واجه أول صدمة سياسية كبرى في حياته مع وقوع الانفصال بين سورية ومصر.
تخرّج سعد الله من كلية الصحافة في جامعة القاهرة عام 1963، وعاد إلى دمشق، وعُيّن موظفاً في وزارة الثقافة، فعكف على كتابة مسرحيات قصيرة، وصدرت له أول مجموعة بعنوان «حكايات جوقة التماثيل» عام 1965، وفي العام الذي يليه أُوفد إلى باريس لمتابعة دراساته العليا، لكنه سرعان ما عاد إلى سورية إثر زلزال هزيمة 5 حزيران 1967، التي خلخلت أعماقه، فكتب مسرحيته الانتقادية الشهيرة «حفلة سمر من أجل 5 حزيران» التي جعلت منه علماً ذائع الصيت، وفي طليعة المسرحيين العرب.
اخترق سعد الله في مسرحية «حفلة سمر» النمطية السائدة، وشخّص أسباب الهزيمة بجرأة فكرية وفنية، وكانت تجربته الأولى التي جسّد فيها المفهوم البريختي في المسرح بهدمه الجدار الرابع الذي طالما وقف حائلاً بين خشبة المسرح العربي ونبض الحياة، حيث أدخل شخصياته إلى الصالة بين الجمهور، ومن قلب الجمهور صعدوا إلى الخشبة، ليقول: نحن الذين انهزمنا، فلماذا انهزمنا.. ولماذا وصلنا إلى هذا المآل؟ وفي الآن ذاته أعلن في بيانه المسرحي: رفض الهزيمة والموت، والانحياز إلى الحياة والكتابة والإبداع.
في تلك الأجواء تعرّف سعد الله على الفنانة المسرحية فايزة الشاويش، فنشأت بينهما قصة حب تكلّلت بالزواج في العام 1970، أثمرت ولادة ابنتهما الوحيدة «ديمة»، ولإيمانه بأن الأطفال هم المستقبل، وافق على تأسيس مجلة «أسامة» للأطفال ورأسَ تحريرها، وفي الأثناء عكَفَ على كتابة المسرح بشغف، فكتب مسرحية «رأس المملوك جابر» التي مُنعت من العرض ليلة الافتتاح، ثم «سهرة مع أبي خليل القباني» عام 1972.
تجاوزت شهرة سعد الله في تلك الفترة حدود العالم العربي، وسافر إلى ألمانيا للإشراف على تدريبات مسرح «فايمر» الألماني على مسرحيته «مغامرة رأس المملوك جابر» التي أخرجها المسرحي الألماني فوبير، وتحوّلت تلك المسرحية إلى فيلم سينمائي من إنتاج مؤسسة السينما في سورية.
في مطلع العام 1975، رأس سعد الله القسم الثقافي في جريدة «السفير» اللبنانية، في ذروة أتون الحرب الأهلية، وبدأ مرحلة جديدة بتعرّفه على المخرج المبدع فواز الساجر، العائد من موسكو، وكان من ثمرة هذا اللقاء الإعلان عن ولادة «المسرح التجريبي.. والبحث عن صيغة مسرح عربي جديد»، وأول تجربة مشتركة بينهما كانت إعداد سعد الله «يوميات مجنون» لغوغول التي أخرجها الساجر، وفيها تعرية جريئة للعوالم الداخلية للموظف الصغير، المنشغل عن كل ما يجري حوله بتناقضاته الخاصة.
استمرت التجربة المشتركة بين المُبدعين، بكتابة سعد الله لمسرحية «رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة» التي أخرجها الساجر للمسرح التجريبي، وهي إعادة تأليف لمسرحية «موكنبوت» لبيتر فايس التي أحدثت صدمة لدى الجمهور حين عرضها، ونشر سعد الله مسرحية «الملك هو الملك» وفي تلك الفترة أسّس مع الناقد د. نبيل الحفار مجلة «الحياة المسرحية» التي أغنت الثقافة المسرحية العربية.
انتعشت آمال سعد الله المحبطة، بعد حرب تشرين عام 1973، على الرغم من بعض الشكوك التي ساورته، لكنه عاد إلى إحباطه وعزلته التي كادت تقضي عليه إثر زيارة السادات إلى إسرائيل يوم 19 تشرين الثاني عام 1977، وتتحدّث زوجته فايزة الشاويش عن محاولة سعد الله الانتحار، بسبب توتره الشديد من الأحداث في تلك المرحلة، لا جُبناً، كما يقول الكاتب حسن. م. يوسف، وإنما لإحساسه العميق بعجز الكلمات عن مواجهة العار والانهيار.
عكف سعد الله في سنوات عزلته على إعداد مشروعه النظري الإبداعي الذي أثمر كتابه «بيانات لمسرح عربي جديد» عام 1988، ومع عودة فواز الساجر الثانية من موسكو بعد حصوله على درجة الدكتوراه في المسرح، انتعش سعد الله من جديد، و«بدأ يفكّر بمشاريع مشتركة بينهما»، كما يقول الفنان غسان مسعود دون أن يخطر بباله أن صديقه فواز جاء ليودّع محبّيه من خلال العرض المسرحي الأخير له «سكان الكهف» لوليم سارويان.. هذا العرض المفعم بالمشاعر الإنسانية الدافئة، إذ برحيل فواز المبكر بأزمة قلبية مفاجئة في السادس عشر من أيار عام 1988 خيَّم الحزن على سعد الله والثقافة السورية والعربية عموماً.
خرج سعد الله من أحزانه بكتابة مسرحية «الاغتصاب» التي أخرجها جواد الأسدي لصالح المسرح الوطني الفلسطيني، وحدثت ردود فعل صاخبة على هذا العرض المسرحي، وعبّر سعد الله آنذاك عن مرارة خيبته بسبب استبعاد الأسدي للخط الفلسطيني برمته من المسرحية، الأمر الذي نسف من وجهة نظر سعد الله مقولة المسرحية.
تزايد سطوع نجم سعد الله على الصعيد العربي مع تكريمه في مهرجان القاهرة التجريبي عام 1989، ومهرجان قرطاج بتونس، ومنحه جائزة سلطان العويس عام 1990، حيث تخوّف بعض المثقفين من التأثير السلبي لجائزة العويس على سعد الله، لكنه أثبت من خلال نشاطه المحموم مع عبد الرحمن منيف، وفيصل درّاج عكس ذلك، من خلال إصدار المجلة الفصلية البحثية «قضايا وشهادات»، التي موّلتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكانت تطمح إلى إحياء فكر النهضة وإعادة طرح أسئلته المؤجلة، وهواجسه حول علاقة السلطة بالمثقف التي أثمرت فيما بعد ولادة مسرحيته «منمنمات تاريخية».
اكتشف سعد الله عام 1992، بعد حرب الخليج الثانية إصابته بسرطان في البلعوم الأنفي، فسافر إلى باريس للمعالجة، واستمر صراعه مع المرض خمس سنوات متتالية، لكنه قاوم المرض بالكتابة وغزارة الإنتاج، بل كتب أجرأ وأعمق نصوصه المسرحية: «منمنمات تاريخية، طقوس الإشارات والتحولات، أحلام شقية، يوم من زماننا، الأيام المخمورة...» وكانت كلمته في يوم المسرح العالمي «إننا محكومون بالأمل» آخر لقاء له مع جمهوره، حيث ودّع عالمنا في أيار 1997، في رحلة عودته الأخيرة إلى بلدته الوادعة «حصين البحر»، التي احتضنت بحنوّ جسده البارد.

تجربة

الكاتب: علي الكردي
مجلة الهدف
نستعيد في ذكرى رحيل المبدع غسان كنفاني، ذكرى مبدع عربي آخر، تقاطع مع غسان في هواجسه السياسية والثقافية والإنسانية.. وفي حلمه العريض برؤية الإنسان العربي حراً، كريماً، ومتحرراً من كابوس الاحتلال، والاستبداد والعسف في كل أشكاله. نستعيد اليوم صورة الكاتب المسرحي سعد الله ونّوس.. بعد أربعة عشر عاماً على رحيله.. وكأننا نسمع صدى صوته الهادئ.. العميق يتردّد في صالة غارقة في الظلال، يتلو كلمته الشهيرة في يوم المسرح العالمي: «نحن محكومون بالأمل، وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ».
ولعل في استعادتنا صوت سعد الله، وصورة غسان في ربيع الثورات العربية اليوم، له دلالة، وطعم، ورائحة تختلف عن كل السنوات الماضية التي أثقلت أرواحنا بوطأة الهزائم، والانكسارات، واستبداد الأنظمة، وعنصرية الاحتلال الإسرائيلي، وتمادي طغيانه وعتوّه، والسبب أننا لأول مرة منذ نصف قرنٍ تقريباً، نرى هذه الصحوة العظيمة لجماهير الشارع العربي من أقصاه إلى أقصاه وهي «تقرع جدران الخزّان»، وتثبت فعلاً، لا قولاً: «أننا محكومون بالأمل.. وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ». نعم.. الشعوب العربية تصنع اليوم بحناجرها الهادرة، وصدورها العارية، تاريخاً جديداً، وصفحات مشرقة تفتح الأفق أمام غدٍ آخر لشعوبنا العربية، التي طالما تحمّلت بصبرٍ، وذاقت كل ألوان القهر والعذابات، بانتظار ساعة الحسم والتغيير الجوهري في حاضرها ومستقبلها، وبالتالي ما كان يؤمن به، ويُراهن عليه غسان كنفاني، أو سعد الله ونوس، أو غيرهما من المثقفين العرب التنويريين، حول قدرة الشعوب العربية، وإرادتها في صنع التاريخ، لم يكن مجرّد وهمٍ، أو أحلام رومانسية لنخبة مثقفة، وإنما رؤية استشرافية عميقة لسيرورة التاريخ، وتحوّلاته، التي سوف تفضي تراكماتها حتماً إلى قدرة الشعوب في لحظة ما على أخذ زمام المبادرة، لتقرّر مصيرها بنفسها، وهذا ما نشهد اليوم إرهاصاته المبشّرة في الشارع العربي التي تطالب بالحرية والكرامة والتعددية واحترام الإنسان، وتحرّر الأوطان.
في يومٍ ما من عام 1941، نشرت أشعة الشمس الذهبية خيوطها فوق البيوت المتواضعة في قرية حصين البحر الهادئة، القابعة على هضبة خفيضة تطلُّ على الشاطئ السوري من بعيد. في هذا اليوم، وعلى وجه التحديد، في التاسع عشر من شهر شباط 1941 وُلد سعد الله ونوس في أحد هذه البيوت، التي تعبق برائحة الزيزفون، وتظلّلها أشجار الزيتون والليمون، في فترة كانت فيها سورية تعيش ظروف الاضطراب السياسي، فالحرب العالمية الثانية ما تزال مستعرة، وسورية التي ضحّت كثيراً من أجل استقلالها، ما تزال محتلة من قبل فرنسا، والمفارقة أن فرنسا نفسها غدت آنذاك محتلّة من قبل ألمانيا، التي أعلنت بدورها أن سورية ولبنان أصبحتا منطقة حربية خاضعة لحكومة فيشي، الخاضعة بدورها لألمانيا النازية.
لم تكن صحة سعد الله في الطفولة، كما تقول شقيقته الكبرى، دائماً على ما يرام، لذا نشأ محبّاً للعزلة والقراءة، وفي شهادة نادرة لمعلّمه في المدرسة الابتدائية الأستاذ متري عرنوق، الذي كان جاراً لعائلة ونوس يقول: «لاحظت أن سعد الله كان أكثر وعياً من رفاقه، حتى أولئك الذين يكبرونه سناً».
تبرز علامات الجدّية في سلوكه، وطبيعة اهتماماته المبكرة بالقراءة، على ما تقول شقيقته، من خلال تكوينه لمكتبته الخاصة، وهو في الحادية عشرة من عمره، وكان كتاب جبران خليل جبران «دمعة وابتسامة» أول كتاب يقتنيه سعد الله.
ثمة دفتر مذكرات لسعد الله الفتى، سجّل فيه يومياته، يدلّل على نضجه المبكّر، وطبيعة اهتماماته بالمجلات الجادّة، كمجلة «الآداب» التي كتب في يومياته تقييماً حولها، وهو في الثانية عشرة من عمره، الأمر الذي يبرز ميله المبكّر إلى تكريس حياته للمطالعة والكتابة وطموحه في هذا المجال.
حصل سعد الله في العام 1959 (أيام الوحدة بين مصر وسورية) على شهادة الدراسة الثانوية بتفوّق، الأمر الذي أتاح له الحصول على منحة دراسية إلى كلية الآداب، جامعة القاهرة لدراسة الصحافة، وبينما كان يتابع دراسته في القاهرة، واجه أول صدمة سياسية كبرى في حياته مع وقوع الانفصال بين سورية ومصر.
تخرّج سعد الله من كلية الصحافة في جامعة القاهرة عام 1963، وعاد إلى دمشق، وعُيّن موظفاً في وزارة الثقافة، فعكف على كتابة مسرحيات قصيرة، وصدرت له أول مجموعة بعنوان «حكايات جوقة التماثيل» عام 1965، وفي العام الذي يليه أُوفد إلى باريس لمتابعة دراساته العليا، لكنه سرعان ما عاد إلى سورية إثر زلزال هزيمة 5 حزيران 1967، التي خلخلت أعماقه، فكتب مسرحيته الانتقادية الشهيرة «حفلة سمر من أجل 5 حزيران» التي جعلت منه علماً ذائع الصيت، وفي طليعة المسرحيين العرب.
اخترق سعد الله في مسرحية «حفلة سمر» النمطية السائدة، وشخّص أسباب الهزيمة بجرأة فكرية وفنية، وكانت تجربته الأولى التي جسّد فيها المفهوم البريختي في المسرح بهدمه الجدار الرابع الذي طالما وقف حائلاً بين خشبة المسرح العربي ونبض الحياة، حيث أدخل شخصياته إلى الصالة بين الجمهور، ومن قلب الجمهور صعدوا إلى الخشبة، ليقول: نحن الذين انهزمنا، فلماذا انهزمنا.. ولماذا وصلنا إلى هذا المآل؟ وفي الآن ذاته أعلن في بيانه المسرحي: رفض الهزيمة والموت، والانحياز إلى الحياة والكتابة والإبداع.
في تلك الأجواء تعرّف سعد الله على الفنانة المسرحية فايزة الشاويش، فنشأت بينهما قصة حب تكلّلت بالزواج في العام 1970، أثمرت ولادة ابنتهما الوحيدة «ديمة»، ولإيمانه بأن الأطفال هم المستقبل، وافق على تأسيس مجلة «أسامة» للأطفال ورأسَ تحريرها، وفي الأثناء عكَفَ على كتابة المسرح بشغف، فكتب مسرحية «رأس المملوك جابر» التي مُنعت من العرض ليلة الافتتاح، ثم «سهرة مع أبي خليل القباني» عام 1972.
تجاوزت شهرة سعد الله في تلك الفترة حدود العالم العربي، وسافر إلى ألمانيا للإشراف على تدريبات مسرح «فايمر» الألماني على مسرحيته «مغامرة رأس المملوك جابر» التي أخرجها المسرحي الألماني فوبير، وتحوّلت تلك المسرحية إلى فيلم سينمائي من إنتاج مؤسسة السينما في سورية.
في مطلع العام 1975، رأس سعد الله القسم الثقافي في جريدة «السفير» اللبنانية، في ذروة أتون الحرب الأهلية، وبدأ مرحلة جديدة بتعرّفه على المخرج المبدع فواز الساجر، العائد من موسكو، وكان من ثمرة هذا اللقاء الإعلان عن ولادة «المسرح التجريبي.. والبحث عن صيغة مسرح عربي جديد»، وأول تجربة مشتركة بينهما كانت إعداد سعد الله «يوميات مجنون» لغوغول التي أخرجها الساجر، وفيها تعرية جريئة للعوالم الداخلية للموظف الصغير، المنشغل عن كل ما يجري حوله بتناقضاته الخاصة.
استمرت التجربة المشتركة بين المُبدعين، بكتابة سعد الله لمسرحية «رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة» التي أخرجها الساجر للمسرح التجريبي، وهي إعادة تأليف لمسرحية «موكنبوت» لبيتر فايس التي أحدثت صدمة لدى الجمهور حين عرضها، ونشر سعد الله مسرحية «الملك هو الملك» وفي تلك الفترة أسّس مع الناقد د. نبيل الحفار مجلة «الحياة المسرحية» التي أغنت الثقافة المسرحية العربية.
انتعشت آمال سعد الله المحبطة، بعد حرب تشرين عام 1973، على الرغم من بعض الشكوك التي ساورته، لكنه عاد إلى إحباطه وعزلته التي كادت تقضي عليه إثر زيارة السادات إلى إسرائيل يوم 19 تشرين الثاني عام 1977، وتتحدّث زوجته فايزة الشاويش عن محاولة سعد الله الانتحار، بسبب توتره الشديد من الأحداث في تلك المرحلة، لا جُبناً، كما يقول الكاتب حسن. م. يوسف، وإنما لإحساسه العميق بعجز الكلمات عن مواجهة العار والانهيار.
عكف سعد الله في سنوات عزلته على إعداد مشروعه النظري الإبداعي الذي أثمر كتابه «بيانات لمسرح عربي جديد» عام 1988، ومع عودة فواز الساجر الثانية من موسكو بعد حصوله على درجة الدكتوراه في المسرح، انتعش سعد الله من جديد، و«بدأ يفكّر بمشاريع مشتركة بينهما»، كما يقول الفنان غسان مسعود دون أن يخطر بباله أن صديقه فواز جاء ليودّع محبّيه من خلال العرض المسرحي الأخير له «سكان الكهف» لوليم سارويان.. هذا العرض المفعم بالمشاعر الإنسانية الدافئة، إذ برحيل فواز المبكر بأزمة قلبية مفاجئة في السادس عشر من أيار عام 1988 خيَّم الحزن على سعد الله والثقافة السورية والعربية عموماً.
خرج سعد الله من أحزانه بكتابة مسرحية «الاغتصاب» التي أخرجها جواد الأسدي لصالح المسرح الوطني الفلسطيني، وحدثت ردود فعل صاخبة على هذا العرض المسرحي، وعبّر سعد الله آنذاك عن مرارة خيبته بسبب استبعاد الأسدي للخط الفلسطيني برمته من المسرحية، الأمر الذي نسف من وجهة نظر سعد الله مقولة المسرحية.
تزايد سطوع نجم سعد الله على الصعيد العربي مع تكريمه في مهرجان القاهرة التجريبي عام 1989، ومهرجان قرطاج بتونس، ومنحه جائزة سلطان العويس عام 1990، حيث تخوّف بعض المثقفين من التأثير السلبي لجائزة العويس على سعد الله، لكنه أثبت من خلال نشاطه المحموم مع عبد الرحمن منيف، وفيصل درّاج عكس ذلك، من خلال إصدار المجلة الفصلية البحثية «قضايا وشهادات»، التي موّلتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكانت تطمح إلى إحياء فكر النهضة وإعادة طرح أسئلته المؤجلة، وهواجسه حول علاقة السلطة بالمثقف التي أثمرت فيما بعد ولادة مسرحيته «منمنمات تاريخية».
اكتشف سعد الله عام 1992، بعد حرب الخليج الثانية إصابته بسرطان في البلعوم الأنفي، فسافر إلى باريس للمعالجة، واستمر صراعه مع المرض خمس سنوات متتالية، لكنه قاوم المرض بالكتابة وغزارة الإنتاج، بل كتب أجرأ وأعمق نصوصه المسرحية: «منمنمات تاريخية، طقوس الإشارات والتحولات، أحلام شقية، يوم من زماننا، الأيام المخمورة...» وكانت كلمته في يوم المسرح العالمي «إننا محكومون بالأمل» آخر لقاء له مع جمهوره، حيث ودّع عالمنا في أيار 1997، في رحلة عودته الأخيرة إلى بلدته الوادعة «حصين البحر»، التي احتضنت بحنوّ جسده البارد.

«إننا محكومون بالأمل» نبوءة سعد الله ونوس بربيع الثورات العربية

نستعيد في ذكرى رحيل المبدع غسان كنفاني، ذكرى مبدع عربي آخر، تقاطع مع غسان في هواجسه السياسية والثقافية والإنسانية.. وفي حلمه العريض برؤية الإنسان العربي حراً، كريماً، ومتحرراً من كابوس الاحتلال، والاستبداد والعسف في كل أشكاله. نستعيد اليوم صورة الكاتب المسرحي سعد الله ونّوس.. بعد أربعة عشر عاماً على رحيله.. وكأننا نسمع صدى صوته الهادئ.. العميق يتردّد في صالة غارقة في الظلال، يتلو كلمته الشهيرة في يوم المسرح العالمي: «نحن محكومون بالأمل، وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ».
ولعل في استعادتنا صوت سعد الله، وصورة غسان في ربيع الثورات العربية اليوم، له دلالة، وطعم، ورائحة تختلف عن كل السنوات الماضية التي أثقلت أرواحنا بوطأة الهزائم، والانكسارات، واستبداد الأنظمة، وعنصرية الاحتلال الإسرائيلي، وتمادي طغيانه وعتوّه، والسبب أننا لأول مرة منذ نصف قرنٍ تقريباً، نرى هذه الصحوة العظيمة لجماهير الشارع العربي من أقصاه إلى أقصاه وهي «تقرع جدران الخزّان»، وتثبت فعلاً، لا قولاً: «أننا محكومون بالأمل.. وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ». نعم.. الشعوب العربية تصنع اليوم بحناجرها الهادرة، وصدورها العارية، تاريخاً جديداً، وصفحات مشرقة تفتح الأفق أمام غدٍ آخر لشعوبنا العربية، التي طالما تحمّلت بصبرٍ، وذاقت كل ألوان القهر والعذابات، بانتظار ساعة الحسم والتغيير الجوهري في حاضرها ومستقبلها، وبالتالي ما كان يؤمن به، ويُراهن عليه غسان كنفاني، أو سعد الله ونوس، أو غيرهما من المثقفين العرب التنويريين، حول قدرة الشعوب العربية، وإرادتها في صنع التاريخ، لم يكن مجرّد وهمٍ، أو أحلام رومانسية لنخبة مثقفة، وإنما رؤية استشرافية عميقة لسيرورة التاريخ، وتحوّلاته، التي سوف تفضي تراكماتها حتماً إلى قدرة الشعوب في لحظة ما على أخذ زمام المبادرة، لتقرّر مصيرها بنفسها، وهذا ما نشهد اليوم إرهاصاته المبشّرة في الشارع العربي التي تطالب بالحرية والكرامة والتعددية واحترام الإنسان، وتحرّر الأوطان.
في يومٍ ما من عام 1941، نشرت أشعة الشمس الذهبية خيوطها فوق البيوت المتواضعة في قرية حصين البحر الهادئة، القابعة على هضبة خفيضة تطلُّ على الشاطئ السوري من بعيد. في هذا اليوم، وعلى وجه التحديد، في التاسع عشر من شهر شباط 1941 وُلد سعد الله ونوس في أحد هذه البيوت، التي تعبق برائحة الزيزفون، وتظلّلها أشجار الزيتون والليمون، في فترة كانت فيها سورية تعيش ظروف الاضطراب السياسي، فالحرب العالمية الثانية ما تزال مستعرة، وسورية التي ضحّت كثيراً من أجل استقلالها، ما تزال محتلة من قبل فرنسا، والمفارقة أن فرنسا نفسها غدت آنذاك محتلّة من قبل ألمانيا، التي أعلنت بدورها أن سورية ولبنان أصبحتا منطقة حربية خاضعة لحكومة فيشي، الخاضعة بدورها لألمانيا النازية.
لم تكن صحة سعد الله في الطفولة، كما تقول شقيقته الكبرى، دائماً على ما يرام، لذا نشأ محبّاً للعزلة والقراءة، وفي شهادة نادرة لمعلّمه في المدرسة الابتدائية الأستاذ متري عرنوق، الذي كان جاراً لعائلة ونوس يقول: «لاحظت أن سعد الله كان أكثر وعياً من رفاقه، حتى أولئك الذين يكبرونه سناً».
تبرز علامات الجدّية في سلوكه، وطبيعة اهتماماته المبكرة بالقراءة، على ما تقول شقيقته، من خلال تكوينه لمكتبته الخاصة، وهو في الحادية عشرة من عمره، وكان كتاب جبران خليل جبران «دمعة وابتسامة» أول كتاب يقتنيه سعد الله.
ثمة دفتر مذكرات لسعد الله الفتى، سجّل فيه يومياته، يدلّل على نضجه المبكّر، وطبيعة اهتماماته بالمجلات الجادّة، كمجلة «الآداب» التي كتب في يومياته تقييماً حولها، وهو في الثانية عشرة من عمره، الأمر الذي يبرز ميله المبكّر إلى تكريس حياته للمطالعة والكتابة وطموحه في هذا المجال.
حصل سعد الله في العام 1959 (أيام الوحدة بين مصر وسورية) على شهادة الدراسة الثانوية بتفوّق، الأمر الذي أتاح له الحصول على منحة دراسية إلى كلية الآداب، جامعة القاهرة لدراسة الصحافة، وبينما كان يتابع دراسته في القاهرة، واجه أول صدمة سياسية كبرى في حياته مع وقوع الانفصال بين سورية ومصر.
تخرّج سعد الله من كلية الصحافة في جامعة القاهرة عام 1963، وعاد إلى دمشق، وعُيّن موظفاً في وزارة الثقافة، فعكف على كتابة مسرحيات قصيرة، وصدرت له أول مجموعة بعنوان «حكايات جوقة التماثيل» عام 1965، وفي العام الذي يليه أُوفد إلى باريس لمتابعة دراساته العليا، لكنه سرعان ما عاد إلى سورية إثر زلزال هزيمة 5 حزيران 1967، التي خلخلت أعماقه، فكتب مسرحيته الانتقادية الشهيرة «حفلة سمر من أجل 5 حزيران» التي جعلت منه علماً ذائع الصيت، وفي طليعة المسرحيين العرب.